ظاهرة حسابات الذكاء الاصطناعي على السوشيال ميديا

هذا الانتشار الهائل، الذي وصل إلى استخدام 71% من الصور المشتركة على وسائل التواصل الاجتماعي كصور مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي، يضع المستخدم العادي أمام تحدٍ حقيقي في التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مُخلق بواسطة الخوارزميات.

٠٥ أكتوبر ٢٠٢٥

لم تعد منصات التواصل الاجتماعي ساحة للتفاعل البشري الخالص، بل تحولت تدريجياً إلى "مدن أشباح رقمية" تزداد فيها كثافة الكيانات غير البشرية التي يقودها الذكاء الاصطناعي. فبحلول عام 2025، تجاوز تأثير الذكاء الاصطناعي مجرد كونه أداة مساعدة للمسوقين، ليصبح كياناً مستقلاً يُنتج المحتوى ويستقطب التفاعلات ببراعة تفوق في بعض الأحيان المؤثرين البشريين. هذا التحول الجذري يثير تساؤلات عميقة حول معنى الأصالة، ويُلقي بظلاله على طبيعة الروابط الاجتماعية التي كنا نعتبرها أساس التجربة الرقمية.

تتنوع حسابات الذكاء الاصطناعي بين المؤثرين الافتراضيين ذوي المظهر البشري، والبوتات الذكية التي تتفاعل في التعليقات والرسائل الخاصة، والحسابات المُنتِجة للمحتوى بالكامل عبر توليد النصوص والصور ومقاطع الفيديو. هذا الانتشار الهائل، الذي وصل إلى استخدام 71% من الصور المشتركة على وسائل التواصل الاجتماعي كصور مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي، يضع المستخدم العادي أمام تحدٍ حقيقي في التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مُخلق بواسطة الخوارزميات.

يهدف هذا المقال إلى تحليل ظاهرة تزايد هيمنة حسابات الذكاء الاصطناعي في عام 2025، واستكشاف الأثر النفسي والاجتماعي لوجود صداقات رقمية وهمية يقودها الكود بدلاً من المشاعر البشرية.

اقرأ ايضا ما هي الأطعمة التي ستُهيمن على موائدنا في 2050؟

صعود المؤثرين الافتراضيين وتضخيم المحتوى

شهد عام 2025 تحولاً في المشهد التسويقي، حيث تضاعفت قيمة سوق المؤثرين الافتراضيين (Virtual Influencers) الذين يمتلكون ملايين المتابعين. هذه الشخصيات الرقمية، مثل "ليل ميكيلا" (Lil Miquela)، هي واجهة مثالية للعلامات التجارية لأنها قابلة للبرمجة ولا تخضع للخطأ البشري أو الفضائح.

الجاذبية التجارية:

يتجه المسوقون بنسبة 60% لدمج الذكاء الاصطناعي في حملات التسويق بالمؤثرين. السبب واضح؛ القيمة السوقية للمؤثرين الافتراضيين تبلغ مليارات الدولارات، وهم يقدمون للعلامات التجارية أدوات للتخصيص فائق الدقة (Hyper-Personalization)، حيث يمكنهم تحليل سلوك الجمهور والتنبؤ بنتائج الحملات بدقة عالية، وتصميم رسائل مُصممة خصيصاً لكل شريحة.

إنتاج المحتوى على نطاق واسع:

أصبح الذكاء الاصطناعي جزءاً ثابتاً في عملية إنشاء المحتوى. فقد أبلغ 79% من المبدعين أن الذكاء الاصطناعي مكّنهم من إنتاج محتوى أكبر وأسرع، ويستخدم 71% من مسوقي التواصل الاجتماعي أدوات الذكاء الاصطناعي لصناعة أفكار المنشورات وكتابة النصوص والتعليقات.

الوجود الرقمي على مدار الساعة: حسابات الشركات والبوتات الذكية

لم تقتصر ظاهرة الذكاء الاصطناعي على المؤثرين البصريين، بل امتدت لتشمل التفاعل اليومي للعلامات التجارية مع عملائها عبر تقنيات الدردشة الآلية المتقدمة (Chatbots).

خدمة العملاء الآلية:

تعتمد الشركات بشكل متزايد على البوتات الذكية لتوفير تفاعل مستمر على مدار الساعة (24/7). في عام 2025، يفضل 62% من المستهلكين استخدام روبوت الدردشة على الانتظار لموظف بشري في الاستفسارات البسيطة. هذه الأدوات لا تزيد من كفاءة الاستجابة فحسب، بل تُدرّ عائدات إضافية تقدر بعشرات المليارات على منصات كـ "ميتا" عبر تقديم مساعدات دعم آلية.

تشويش الحدود بين الآلة والإنسان:

يشير الإحصائيات إلى أن ما يقرب من نصف مستخدمي روبوتات الدردشة (47%) اعتقدوا في مرحلة ما أنهم يتحدثون مع إنسان حقيقي. هذا التشويش في الأصالة يخلق بيئة رقمية يصبح فيها المستخدم غير قادر على الثقة بمصدر المعلومات أو التفاعل، ما يهدد بانهيار الثقة في المحتوى العام للمنصات.

الأثر الاجتماعي والنفسي للأصدقاء المزيفين

الانتشار الهائل للحسابات المولدة بالذكاء الاصطناعي يخلق تحديات نفسية واجتماعية جديدة غير مسبوقة، تُهدد بجعل الإنترنت عالماً شديد الاغتراب.

تآكل الثقة الاجتماعية:

عندما يتم توليد 71% من الصور المشتركة عبر الذكاء الاصطناعي، يترسخ الشعور بأن الواقع الاجتماعي المرئي أصبح مُتلاعباً به. هذا يقلل من قيمة التجربة البشرية الحقيقية ويزيد من "متلازمة اليقظة الزائدة" التي تدفع المستخدمين إلى فحص كل صورة ومنشور للتأكد من مصدره، مما يزيد من الإجهاد المعرفي والشك.

عزلة "الصداقات الوهمية":

يقدم المؤثرون الافتراضيون إحساساً بالصداقة الحميمة والرفقة، خاصة لمن يعانون من الوحدة. ولكن هذا "الصديق" هو مجرد كود يحلل البيانات لتقديم استجابة مُرضية، وليس كائناً يمتلك مشاعر حقيقية. هذا التفاعل الزائف قد يؤدي إلى تفاقم مشاعر العزلة والوحدة بدلاً من علاجها، ويخلق حالة من الاعتماد العاطفي على الآلة.

مستقبل التفاعل البشري في الفضاء الرقمي

مع تزايد اندماج الذكاء الاصطناعي ليصبح ركيزة أساسية في كل جانب من جوانب التواصل الاجتماعي، يظهر بوضوح أن هذا ليس مجرد اتجاه عابر، بل هو تغيير دائم في المشهد الرقمي.

وفي ظل وجود هذه الكيانات الرقمية فائقة الكفاءة، يقع العبء الآن على عاتق المستخدمين والمطورين على حد سواء. يجب على المستخدمين تطوير مهارات جديدة في التفكير النقدي الرقمي للتفريق بين الأصالة والوهم، بينما يجب على الشركات والمنصات أن تتبنى معايير شفافية واضحة للإعلان عن المحتوى أو الحسابات التي يُنتجها الذكاء الاصطناعي بشكل كامل. إن نجاح التجربة الرقمية المستقبلية سيعتمد على قدرتنا على تحقيق تآزر قوي بين كفاءة الذكاء الاصطناعي وضرورة الحفاظ على اللمسة البشرية، والاستراتيجية، والتعاطف في الفضاء الاجتماعي.

خارطة الطريق نحو الأصالة

إن التحدي الذي تفرضه "مدن الأشباح الرقمية" لا يكمن في التكنولوجيا نفسها، بل في كيفية استخدامها. فبينما يمنح الذكاء الاصطناعي المسوقين والمبدعين أدوات غير مسبوقة لإنشاء المحتوى على نطاق واسع، فإن القيمة الحقيقية على المدى الطويل ستظل في يد الحسابات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين عملها، وليس لاستبدال جوهرها البشري. ستفوز الحسابات التي تصر على تقديم صوت فريد، ووجهة نظر حقيقية، وعلاقات شفافة وموثوقة لمتابعيها.

جدول ملخص لظاهرة الذكاء الاصطناعي في السوشيال ميديا 2025

المظهر الرقمي	نسبة الانتشار (تقريبية)	الأثر الرئيسي
المحتوى المولد بالذكاء الاصطناعي	71% من الصور المشتركة	صعوبة التمييز بين الواقع والوهم، وتضخيم سرعة النشر.
المؤثرون الافتراضيون	سوق بقيمة 4.6 مليار دولار (متوقع)	أداة تسويق فعالة جداً وقابلة للبرمجة للعلامات التجارية.
روبوتات الدردشة (Chatbots)	62% يفضلونها على الانتظار البشري	توفير خدمة عملاء 24/7 وزيادة كفاءة التفاعل الفوري.
منشورات (LinkedIn) الطويلة	حوالي 54% مُساعدة بالذكاء الاصطناعي	تسريع عملية إنشاء المحتوى الاحترافي وتوليد الأفكار.