تكلفة القطرة الخضراء في مجلس التعاون الخليجي💧☀️
تكلفة القطرة الخضراء في مجلس التعاون الخليجي💧☀️

تكلفة القطرة الخضراء في مجلس التعاون الخليجي💧☀️

أدركت دول الخليج ضرورة فك الارتباط بين أمنها المائي واعتمادها الكربوني. في إطار "رؤى 2030"، تحول الهدف الاستراتيجي من مجرد إنتاج المياه إلى إنتاج "القطرة الخضراء"؛ أي المياه المُنتجة بأقل بصمة كربونية ممكنة.

تُعتبر التحلية (Desalination) حجر الزاوية في الأمن المائي لدول مجلس التعاون الخليجي (GCC)، إذ توفر أكثر من 70% من مياه الشرب في بعض هذه الدول. لكن هذا الاعتماد التاريخي جاء على حساب الطاقة، حيث كانت محطات التحلية تُشغّل بشكل رئيسي بالوقود الأحفوري، مما جعل قطاع المياه أحد أكبر المُساهمين في البصمة الكربونية الوطنية، وأحد المستهلكين الرئيسيين للطاقة المُنتجة.

أدركت دول الخليج ضرورة فك الارتباط بين أمنها المائي واعتمادها الكربوني. في إطار "رؤى 2030"، تحول الهدف الاستراتيجي من مجرد إنتاج المياه إلى إنتاج "القطرة الخضراء"؛ أي المياه المُنتجة بأقل بصمة كربونية ممكنة. يتطلب هذا التحول استثماراً هائلاً في أجيال جديدة من المحطات تعمل بتقنية التناضح العكسي (RO) التي تستهلك طاقة أقل، وتعتمد بشكل متزايد على الطاقة المتجددة.

يتمحور السباق الحالي حول مقياس حاسم: كثافة الطاقة (Energy Intensity)، وهي كمية الكيلوواط/ساعة (kWh) اللازمة لإنتاج متر مكعب واحد (m3) من المياه العذبة.

إن خفض هذا المؤشر هو المفتاح لتقليل التكلفة التشغيلية والبيئية. يقدم هذا المقال تحليلاً للمقارنة بين التقنيات المختلفة، ويُسلط الضوء على الدول الخليجية التي تقود هذا الابتكار نحو استدامة المياه والطاقة بحلول عام 2025.

المقارنة التكنولوجية: من الحرارة إلى الضغط

تختلف كثافة الطاقة المطلوبة للتحلية بشكل كبير بين التقنيات التقليدية والحديثة:

  • التقنيات الحرارية (MSF/MED): كانت هذه التقنيات (مثل التقطير الوميضي متعدد المراحل والتقطير متعدد التأثير) هي المهيمنة تاريخياً في الخليج. وعلى الرغم من أنها تستخدم حرارة النفايات من محطات توليد الكهرباء، إلا أن كثافة الطاقة الإجمالية المكافئة لها (حرارة وكهرباء) تبقى مرتفعة جداً، وتتراوح بين 10 إلى 15 كيلوواط/ساعة لكل متر مكعب (kWh/m3).
  • التناضح العكسي (Reverse Osmosis - RO): تعتمد هذه التقنية على ضغط المياه عبر أغشية شبه نفاذة. تُعد (RO) الآن هي المعيار العالمي للكفاءة، حيث انخفضت كثافة الطاقة المطلوبة من نحو 10
    kWh/m3 في التسعينيات إلى معدلات حديثة تتراوح بين 3.0 و 4.5 kWh/m3، بفضل ابتكارات في أغشية التحلية وأنظمة استعادة الطاقة.

الإنجاز الخليجي: تحقيق الأداء الفائق والدمج الشمسي

تقود دول مجلس التعاون الخليجي الآن الجهود العالمية لكسر حاجز الكفاءة ودمج الطاقة المتجددة:

الإمارات العربية المتحدة (دبي وأبوظبي):

تُعد هيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA) في طليعة هذا التحول. تهدف دبي لإنتاج 100% من مياهها العذبة عبر التناضح العكسي بحلول 2030، مع الالتزام بالاعتماد على الطاقة النظيفة في جميع مشاريعها الجديدة. ويشهد مشروع "جبل علي للطاقة" و"محطة حصيان" تحولاً نحو استخدام محطات RO فائقة الكفاءة.

المملكة العربية السعودية:

تقود المملكة مشاريع ضخمة لتقليل كثافة الطاقة، حيث تسعى المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة (SWCC) لخفض استهلاك الطاقة في محطاتها الجديدة إلى أقل من 2.7 kWh/m3. كما أن مشروع "نيوم" يهدف إلى استخدام محطات تحلية مُبتكرة تعمل بالطاقة الشمسية بنسبة 100% وبكثافة طاقة تقترب من 2.5 kWh/m3، باستخدام تقنيات تركيز الطاقة الشمسية.

سلطنة عُمان:

تُركز عُمان أيضاً على محطات RO كبيرة الحجم، مما سمح لها بتحسين كفاءة استهلاك الطاقة الوطنية.

الاقتصاد الكلي: فوائد تحرير الطاقة

إن خفض كثافة الطاقة في محطات التحلية يحقق فوائد اقتصادية استراتيجية تتجاوز فواتير الكهرباء:

  • تحرير الوقود الأحفوري: كلما انخفضت كمية الطاقة اللازمة للتحلية، زادت كمية النفط والغاز التي يُمكن تخصيصها للتصدير بدلاً من حرقها محلياً، مما يُعزز الإيرادات السيادية.
  • استقرار تكلفة التشغيل: يساعد الاعتماد على الطاقة الشمسية في تشغيل المحطات على تثبيت تكلفة التشغيل للمياه على المدى الطويل، وتحريرها من تقلبات أسعار الوقود العالمية.

جدول يوضح كفاءة الطاقة في تقنيات التحلية (kWh/m³)

التقنيةكثافة الطاقة (كيلوواط/ساعة/)التوجه في دول مجلس التعاون الخليجيالملاحظات الرئيسية
التناضح العكسي (RO) الحديث3.0 - 4.5التركيز الرئيسي للإنتاج الجديدالأفضل لكثافة الطاقة؛ يُفضل ربطها بالشمسي
التناضح العكسي الفائق (Ultra-Efficient RO)< 3.0هدف استراتيجي لمشاريع (SWCC) ونيوميتطلب أغشية وأنظمة استعادة طاقة متقدمة
التقطير الحراري (MSF/MED)10 - 15 (إجمالي مُكافئ)تقنيات قديمة قيد الإحلال التدريجيتعتمد على ربطها بالحرارة المهدرة، لكن كفاءتها منخفضة

وفي ضوء هذه الأرقام، يبدو أن التحول الرقمي للقطاع أصبح ضرورة حتمية. لقد نجحت دول الخليج في تحويل التحدي المتمثل في تأمين المياه إلى فرصة للابتكار الرائد. إن التطورات المستمرة في تقنيات الأغشية وتصميم محطات استعادة الطاقة تُشير إلى أن حاجز الـ 2.5kWh/m3 هدف واقعي في المدى القريب، مما سيُحسن بشكل كبير من الميزان البيئي للمنطقة.

مع ذلك، يبقى تحقيق الاكتفاء الذاتي الأخضر هدفاً بعيد المنال دون استراتيجية شاملة للطاقة. على الرغم من أن محطات التحلية الجديدة أصبحت أكثر كفاءة، إلا أن التحدي القادم يكمن في ضمان أن تكون الطاقة المُقدمة لهذه المحطات خالية من الكربون بنسبة 100%، سواء عبر الطاقة الشمسية المباشرة أو الطاقة النووية. يجب أن تتكامل شبكات الكهرباء بالكامل لتوفير إمدادات موثوقة لهذه المنشآت الحيوية على مدار الساعة.

مستقبل الذهب الأزرق والأخضر

إن الاستثمار في خفض كثافة الطاقة في محطات التحلية هو استثمار في تحرير النفط وتخفيض البصمة الكربونية للمنطقة. ويُمكن القول إن ريادة دول مجلس التعاون الخليجي في هذا المجال ستُشكل نموذجاً عالمياً يُحتذى به في المناطق الجافة. فالمستقبل لا يكمن في إنتاج المياه بكثافة فحسب، بل في إنتاجها بكفاءة بيئية واقتصادية قصوى، مما يُؤكد أن الأمن المائي المستقبلي سيكون مرتبطاً بشكل وثيق بـ أمن الطاقة المتجددة.

المصادر: