تحليل إحصائي لأبرز التوجهات في سوق التجارة الالكترونية العربي
تحليل إحصائي لأبرز التوجهات في سوق التجارة الالكترونية العربي

تحليل إحصائي لأبرز التوجهات في سوق التجارة الالكترونية العربي

يعيش سوق التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) فترة نمو استثنائي. تشير التقديرات إلى أن قيمة سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من المتوقع أن تصل إلى حوالي 155.16 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية عام 2025،

شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وعلى رأسها دول الخليج العربي، طفرة غير مسبوقة في قطاع التجارة الإلكترونية خلال السنوات القليلة الماضية، ولا يزال هذا الزخم مستمرًا بقوة حتى منتصف عام 2025.

أي متابع ومحلل للأسواق يمكنه أن يكتشف بسهولة أن التجارة الإلكترونية لم تعد مجرد خيار تسوق ثانوي، بل تحولت إلى محرك أساسي للاقتصاد الرقمي، مدفوعة بتسارع التحول الرقمي، ارتفاع معدلات انتشار الإنترنت والهواتف الذكية، وتغير سلوك المستهلكين نحو الشراء عبر الإنترنت. يهدف هذا التحليل الإحصائي إلى تسليط الضوء على أبرز التوجهات التي تشكل ملامح هذا السوق الواعد، مع التركيز على أحدث الأرقام والمؤشرات الدالة حتى منتصف العام الحالي.

النمو المتسارع: أرقام قياسية في منتصف 2025

يعيش سوق التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) فترة نمو استثنائي. تشير التقديرات إلى أن قيمة سوق التجارة الإلكترونية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من المتوقع أن تصل إلى حوالي 155.16 مليار دولار أمريكي بحلول نهاية عام 2025، مع توقعات بنموها لتتجاوز 300 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب (CAGR) يبلغ حوالي 14.28% خلال الفترة من 2025 إلى 2030. هذه الأرقام تؤكد الدور المحوري لدول الخليج في قيادة هذا النمو الإقليمي.

في المملكة العربية السعودية، تستمر معدلات النمو في الارتفاع بشكل لافت. فخلال الربع الأول من عام 2025، بلغت مبيعات التجارة الإلكترونية عبر بطاقات "مدى" وحدها أكثر من 69.3 مليار ريال سعودي (حوالي 18.5 مليار دولار أمريكي)، مسجلة نموًا سنويًا قدره 56% مقارنة بنفس الفترة من عام 2024. هذا النمو المذهل يعكس الثقة المتزايدة في الشراء الرقمي ويؤكد تحقيق أهداف "رؤية السعودية 2030" في تنويع الاقتصاد. بحلول نهاية 2025، من المتوقع أن يصل سوق التجارة الإلكترونية في السعودية إلى حوالي 24.94 مليار دولار أمريكي، مما يؤكد مكانتها كأكبر سوق في المنطقة.

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فمن المتوقع أن تصل قيمة سوق التجارة الإلكترونية إلى 11.05 مليار دولار أمريكي في عام 2025، مع توقعات بأن يواصل الارتفاع ليبلغ حوالي 20.54 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12.39%. وتؤكد هذه الأرقام مكانة الإمارات كمركز حيوي للتجارة الرقمية والابتكار، مدعومة بالبنية التحتية المتطورة والسياسات الحكومية الداعمة.

محركات النمو الرئيسية: رؤى مستقبلية لعام 2025

تساهم عدة عوامل استراتيجية في تسارع نمو التجارة الإلكترونية في المنطقة العربية، والتي تتضح ملامحها بشكل أكبر في منتصف عام 2025:

انتشار الإنترنت والهواتف الذكية بنسبة عالية: مع معدل انتشار للإنترنت يصل إلى 95.7% في السعودية و98% في البحرين، وارتفاع معدلات ملكية الهواتف الذكية التي تتجاوز 90% في دول الخليج، أصبح الوصول إلى منصات التسوق عبر الإنترنت سهلاً وواسع الانتشار. هذه البيئة الرقمية الخصبة تدعم تفضيل المستهلكين للتسوق عبر الهاتف المحمول، وهو ما يمثل غالبية المعاملات الإلكترونية.

المبادرات الحكومية الطموحة: تواصل حكومات دول الخليج، لا سيما السعودية والإمارات، دعم الاقتصاد الرقمي بقوة من خلال "رؤية السعودية 2030" و"الأجندة الوطنية لدولة الإمارات 2030". هذه الرؤى تستهدف تطوير البنية التحتية الرقمية، تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع، وسن تشريعات تدعم الابتكار وريادة الأعمال الرقمية.

تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والتخصيص: بحلول منتصف 2025، أصبح الذكاء الاصطناعي ليس مجرد رفاهية بل ضرورة. تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي بشكل متزايد لتحسين تجربة المستخدم عبر التوصيات المخصصة للمنتجات، تحسين البحث، وحتى خدمة العملاء التفاعلية. هذا التخصيص يساهم في زيادة معدلات التحويل ورضا العملاء.

صعود التسوق الاجتماعي والتجارة السريعة: تواصل منصات التواصل الاجتماعي لعب دور كبير في دفع المبيعات، حيث يتحول المستخدمون إلى متسوقين مباشرين عبر هذه المنصات. كما تشهد التجارة السريعة (Quick Commerce) نمواً ملحوظاً، حيث وصلت قيمتها إلى 162 مليون دولار أمريكي في الإمارات بحلول نهاية 2025، وتتجاوز الآن البقالة لتشمل منتجات التجميل، الأدوية، والإلكترونيات، تلبيةً للطلب المتزايد على التوصيل فائق السرعة.

تحولات المدفوعات الرقمية: تسارع وتيرة التبني في 2025

تشهد المدفوعات الرقمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحولاً جذرياً ومستمرًا بقوة حتى منتصف عام 2025. من المتوقع أن يصل حجم سوق المدفوعات الرقمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 248.35 مليار دولار أمريكي في عام 2025، مع توقعات بالوصول إلى 420.38 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030 بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 11.10%.

تراجع الدفع نقداً عند الاستلام (COD) مستمر، حيث يفضل المستهلكون بشكل متزايد استخدام بطاقات الائتمان والخصم، والمحافظ الرقمية، وحلول الدفع عبر الهواتف المحمولة. مدفوعات "اشتر الآن وادفع لاحقاً" (BNPL) تشهد نموًا قويًا، خاصة في الإمارات، حيث من المتوقع أن تنمو بمعدل سنوي مركب قدره 14.6% بين عامي 2025 و2030. هذا التطور يعكس ثقة المستهلك المتزايدة في الأنظمة المالية الرقمية وجهود الحكومات لتعزيز الشمول المالي والتحول نحو مجتمع غير نقدي.

أبرز التحديات التي تشكل ملامح السوق في 2025

مع استمرار النمو، يواجه سوق التجارة الإلكترونية العربي تحديات متجددة تتطلب حلولاً مبتكرة:

1- البنية التحتية اللوجستية وتحديات التوصيل: على الرغم من الاستثمارات الضخمة في المستودعات الذكية ومراكز التنفيذ الآلية، لا تزال كفاءة الخدمات اللوجستية والتوصيل السريع تمثل تحدياً، خاصة في المدن الكبرى التي تشهد زيادة في الطلب، وفي المناطق الأقل كثافة سكانية.

2- المنافسة الشرسة والتكتلات العالمية: يشهد السوق دخول لاعبين عالميين بارزين وتوسع الشركات الصينية العملاقة مثل شي إن (Shein) وعلي إكسبريس (AliExpress)، مما يزيد من الضغط على التجار المحليين. هذا يتطلب منهم الابتكار المستمر وتمييز عروضهم للحفاظ على حصتهم السوقية.

3- الأمن السيبراني وثقة المستهلك: مع تزايد حجم المعاملات، تتصاعد أهمية الأمن السيبراني. مخاوف المستهلكين بشأن أمان البيانات وحماية المدفوعات تظل عاملاً حاسماً، مما يستدعي استثمارات مستمرة في حلول الحماية وتعزيز ثقة المستهلك من خلال قوانين حماية المستهلك الواضحة. تشير إحصائيات 2025 إلى أن 22% من المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتخلون عن عربات التسوق بسبب مخاوف تتعلق بأمان الدفع.

4- تحويل الزوار إلى عملاء: مع ارتفاع أعداد الزوار للمنصات، يبقى التحدي في تحويل هؤلاء الزوار إلى مشترين فعليين، مما يستلزم استراتيجيات تسويقية أكثر فاعلية وتجارب مستخدم سلسة.

المنتجات الأكثر رواجاً وتنوع السلة الشرائية في 2025

تشهد سلة المنتجات الأكثر مبيعاً عبر الإنترنت في الدول العربية تنوعاً مستمراً حتى منتصف 2025. إلى جانب المنتجات الإلكترونية والأزياء والجمال التي تظل في الصدارة، يلاحظ نمو كبير في قطاعات مثل المواد الغذائية والمشروبات (مدفوعة بنمو التجارة السريعة)، ومنتجات المنزل والديكور، بالإضافة إلى العود والعطور العربية الفاخرة التي تحظى بإقبال كبير عبر المنصات الرقمية. هذا التنوع يشير إلى نضج السوق وقدرته على تلبية احتياجات واسعة من المستهلكين.

في النهاية تبقى كلمة: مستقبل رقمي واعد

يستمر سوق التجارة الإلكترونية في العالم العربي في مساره التصاعدي بخطى ثابتة وقوية في منتصف عام 2025، مدعوماً بمزيج من التطور التكنولوجي غير المسبوق، الدعم الحكومي غير المحدود، وتغير سلوك المستهلكين نحو التوجه الرقمي. الأرقام والإحصائيات تؤكد أن هذه المنطقة ليست مجرد سوق ناشئ، بل لاعب رئيسي وفاعل في الاقتصاد الرقمي العالمي. ومع ذلك، فإن تحقيق الاستدامة والنمو المستمر يتطلب من الشركات والحكومات التكيف السريع مع التحديات، والاستثمار المستمر في البنية التحتية، وتعزيز الثقة الرقمية، وتبني أحدث الابتكارات مثل الذكاء الاصطناعي، والتسوق الاجتماعي، وحلول الدفع المبتكرة.

المستقبل يحمل الكثير لسوق التجارة الإلكترونية العربي، ومن المتوقع أن نشهد المزيد من التطور في تجربة العملاء، وتوسعاً في الخدمات اللوجستية، وظهور نماذج أعمال جديدة، مما سيجعله سوقاً أكثر نضجاً وديناميكية وتنافسية على الساحة العالمية.

المصادر: 1 - 2