
أرقام الديون السيادية حول العالم في 2025
بعد سنوات من الإنفاق الحكومي غير المسبوق لمواجهة الأزمات المتتالية، من الأزمة المالية العالمية 2008 إلى جائحة كوفيد-19 وتداعيات الصراعات الجيوسياسية، ارتفعت مستويات الدين العام إلى أرقام غير مسبوقة
على الرغم من التعافي الاقتصادي المتقلب والتحولات الجيوسياسية المعقدة التي يشهدها منتصف عام 2025، تظل قضية الديون السيادية الشغل الشاغل لصناع القرار الاقتصادي والمحللين الماليين حول العالم.
فبعد سنوات من الإنفاق الحكومي غير المسبوق لمواجهة الأزمات المتتالية، من الأزمة المالية العالمية 2008 إلى جائحة كوفيد-19 وتداعيات الصراعات الجيوسياسية، ارتفعت مستويات الدين العام إلى أرقام غير مسبوقة.
نحاول في هذا السرد تسليط الضوء على أكثر الدول استدانة في عام 2025، ونفكك الأسباب الكامنة وراء هذه المستويات، كما نستعرض التحديات التي تُشكلها هذه الجبال من الأرقام على الاستقرار الاقتصادي والمالي العالمي.
الدين العام: مؤشر على صحة الاقتصاد وقدرته على الاستدامة
يُقاس الدين العام عادة بنسبة إجمالي الدين الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي (GDP). تُعطي هذه النسبة صورة عن قدرة الدولة على خدمة ديونها وسدادها من خلال نشاطها الاقتصادي. كلما ارتفعت هذه النسبة، زادت المخاوف بشأن الاستدامة المالية للدولة وقدرتها على تحمل الأعباء المستقبلية.
لقد شهد عام 2025 استمراراً في مسار تصاعدي للدين العالمي. وفقاً لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) الصادرة في مارس 2025، يُتوقع أن يتجاوز إجمالي ديون السندات السيادية والشركات على مستوى العالم 100 تريليون دولار أمريكي في عام 2025. وتُشير التوقعات إلى أن إصدارات السندات السيادية في دول الـ OECD وحدها ستصل إلى مستوى قياسي يبلغ 17 تريليون دولار أمريكي في 2025، ارتفاعاً من 14 تريليون دولار في 2023. هذا الارتفاع يُثير قلقاً كبيراً بشأن القدرة على إعادة التمويل والمخاطر المالية المحتملة.
- ربما يهمك: مكاسب التجارة الإلكترونية حول العالم في 2025
الدول الأكثر استدانة في 2025: قراءة في الأرقام
تُشير أحدث التوقعات الصادرة عن صندوق النقد الدولي (IMF) في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي (أبريل 2025) واللجنة الأوروبية (مايو 2025) إلى استمرار مستويات ديون مرتفعة بشكل خاص في عدد من الاقتصادات الكبرى والمتقدمة.
تصور بياني مبسط لنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في أبرز الدول (توقعات 2025):
╔═══════════════════════════════════════╗
║ نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي (2025) ║
╠═══════════════════════════════════════╣
║ اليابان: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 234.9%) ║
║ اليونان: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 142.2%) ║
║ إيطاليا: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 136.7%) ║
║ الولايات المتحدة: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 125.9%) ║
║ فرنسا: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 123.9%) ║
║ إسبانيا: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 100.9%) ║
║ كندا: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 107.9%) ║
║ المملكة المتحدة: ▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇▇ (حوالي 106.5%) ║
╚═══════════════════════════════════════╝
تحليل أبرز الدول:
اليابان (حوالي 234.9% من الناتج المحلي الإجمالي):
تُواصل اليابان تصدر قائمة الدول الأكثر استدانة في العالم، بنسبة تتجاوز 230% من ناتجها المحلي الإجمالي في 2025. يُعزى ذلك إلى عقود من الإنفاق الحكومي الضخم لمواجهة الانكماش الاقتصادي، وارتفاع تكاليف الرعاية الاجتماعية بسبب شيخوخة السكان. ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى من هذا الدين مملوكة محلياً (من قبل المؤسسات المالية والبنك المركزي الياباني)، مما يُقلل من مخاطر هروب رؤوس الأموال الحادة.
اليونان (حوالي 142.2% من الناتج المحلي الإجمالي):
بعد أزمة الديون السيادية التي هزت منطقة اليورو، تمكنت اليونان من خفض نسبة دينها بشكل كبير من ذروتها، مدعومة بنمو اقتصادي قوي وإصلاحات مالية. تُشير توقعات اللجنة الأوروبية في مايو 2025 إلى استمرار هذا الانخفاض التدريجي، مع بقاء النسبة مرتفعة.
إيطاليا (حوالي 136.7% من الناتج المحلي الإجمالي):
تُعدّ إيطاليا صاحبة ثاني أعلى دين في الاتحاد الأوروبي بعد اليونان. تُشير توقعات اللجنة الأوروبية إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا ستُواصل الارتفاع الطفيف في 2025، متأثرة ببطء النمو الاقتصادي، وارتفاع تكاليف خدمة الدين، وبعض الإجراءات المالية السابقة.
الولايات المتحدة الأمريكية (حوالي 125.9% من الناتج المحلي الإجمالي):
تُظهر بيانات الاحتياطي الفيدرالي في يونيو 2025 أن الدين العام للولايات المتحدة لا يزال عند مستويات مرتفعة، ومن المتوقع أن يُواصل الزيادة في 2025. يُعزى ذلك إلى الإنفاق الحكومي الكبير (خاصة خلال الجائحة)، وارتفاع أسعار الفائدة، والتحديات المتعلقة بالإنفاق على الرعاية الصحية والضمان الاجتماعي.
فرنسا (حوالي 123.9% من الناتج المحلي الإجمالي):
تُعاني فرنسا من عجز مالي كبير وديون متزايدة. تُظهر توقعات اللجنة الأوروبية في مايو 2025 أن الدين العام في فرنسا سيزداد، متأثراً باستمرار العجز في الميزانية وارتفاع الإنفاق.
كندا (حوالي 107.9% من الناتج المحلي الإجمالي):
تُحافظ كندا على نسبة دين أقل من العديد من الدول المتقدمة الأوروبية واليابان، لكنها لا تزال تُعاني من ارتفاع الدين العام نتيجة الإنفاق التحفيزي والبرامج الاجتماعية. يُشير تقرير مكتب الموازنة البرلماني الكندي في يونيو 2025 إلى توقعات بانخفاض طفيف في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي على المدى القصير، لكن مع بقائها مرتفعة نسبياً.
المملكة المتحدة (حوالي 106.5% من الناتج المحلي الإجمالي):
أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية (ONS) في مارس 2025 أن الدين العام في المملكة المتحدة لا يزال عند مستويات لم تُشهد منذ أوائل الستينيات، متأثراً بالإنفاق الحكومي الكبير والعجز المستمر.
دول أخرى ذات دين مرتفع (وفقاً للـ IMF): المالديف (حوالي 149.6%)، البرتغال (حوالي 81.6%)، بلجيكا (حوالي 104.9%)، سنغافورة (حوالي 160.2%) (ولكن دين سنغافورة يُعدّ مختلفاً بسبب طبيعة الأصول الكبيرة التي تُقابله).
محركات تضخم الدين: الأسباب الكامنة
تُشارك هذه الدول في العديد من العوامل التي تُسهم في ارتفاع مستويات الدين:
- إرث الأزمات: الإنفاق الحكومي الضخم لمواجهة الأزمة المالية العالمية 2008 وجائحة كوفيد-19، والذي تضمن حزم إنقاذ وتحفيز للحد من التداعيات الاقتصادية.
- التغيرات الديموغرافية: ارتفاع نسبة كبار السن في العديد من الاقتصادات المتقدمة يُؤدي إلى زيادة الإنفاق على الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية، مما يُشكل ضغطاً هيكلياً على الميزانيات.
- ارتفاع تكاليف خدمة الدين: مع انتهاء حقبة أسعار الفائدة المنخفضة، بدأت تكاليف خدمة الدين بالارتفاع بشكل ملحوظ، مما يُحول جزءاً متزايداً من الإيرادات الحكومية نحو سداد الفوائد بدلاً من الاستثمار في النمو. تُشير الـ OECD إلى أن حوالي 42% من إجمالي الديون السيادية و 38% من ديون الشركات المستحقة في دول الـ OECD والأسواق الناشئة الكبرى ستنضج بحلول عام 2027، مما يُشكل "جداراً من الاستحقاقات" يتطلب إعادة تمويل بتكاليف أعلى.
- الاستثمارات الكبرى والتحولات الهيكلية: الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، التحول نحو الطاقة الخضراء، والاستثمارات في التقنيات الجديدة تُساهم أيضاً في زيادة الدين.
- الضغوط الجيوسياسية: تزايد الإنفاق الدفاعي في ظل التوترات العالمية يُشكل عبئاً إضافياً على الميزانيات.
المخاطر والتحديات: ظلال الديون على الاقتصاد العالمي
المستويات المرتفعة للدين العام تُشكل عدداً من المخاطر الاقتصادية والمالية:
تضييق الحيز المالي: تُصبح الحكومات أقل قدرة على الاستجابة للصدمات الاقتصادية المستقبلية أو تمويل الاستثمارات الضرورية للنمو على المدى الطويل.
ارتفاع تكاليف الاقتراض: قد يُؤدي ارتفاع الدين إلى زيادة عدم اليقين لدى المستثمرين، مما يدفعهم لطلب عوائد أعلى على السندات الحكومية، وبالتالي زيادة تكاليف الاقتراض.
مخاطر أزمات السيادة: في السيناريوهات القصوى، قد تُواجه الدول صعوبة في خدمة ديونها، مما يُمكن أن يُؤدي إلى أزمات مالية ذات تداعيات عالمية.
العدالة بين الأجيال: يُمكن أن يُلقي الدين المتراكم بعبء ثقيل على الأجيال القادمة، التي ستتحمل مسؤولية سداد ديون لم تُساهم في خلقها.
المسار إلى الأمام: ضرورة الانضباط المالي والنمو المستدام
للتعامل مع مستويات الدين المرتفعة في عام 2025 وما بعده، تُشدد المؤسسات المالية الدولية على أهمية الانضباط المالي، وتنويع مصادر الإيرادات، وتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. يتطلب ذلك:
ضبط الإنفاق العام: مراجعة الإنفاق الحكومي وترشيده، والتخلص من الإنفاق غير الفعال.
الإصلاحات الهيكلية: تنفيذ إصلاحات تُعزز الإنتاجية وتُحسن مناخ الأعمال وتُجذب الاستثمار.
زيادة الإيرادات: من خلال إصلاحات ضريبية عادلة وفعالة، أو تنويع مصادر الدخل الحكومي.
إدارة الدين بفعالية: البحث عن استراتيجيات لإعادة هيكلة الديون أو إطالة آجال استحقاقها لتقليل الضغط المالي.
الخلاصة: الموازنة الدقيقة لمستقبل مستدام
إن عام 2025 يُقدم صورة واضحة لتحدي الدين العام المتزايد حول العالم. فبينما تُواصل الاقتصادات الكبرى تحمل أعباء ديون تاريخية، تتفاقم المخاطر مع ارتفاع تكاليف الاقتراض والحاجة إلى استثمارات ضخمة في المستقبل.
التغلب على هذا التحدي سيتطلب موازنة دقيقة بين الحفاظ على الاستقرار المالي، ودعم النمو الاقتصادي، وتحقيق العدالة بين الأجيال. الوعي بهذه الأرقام والتوجهات يُعدّ الخطوة الأولى نحو رسم مسار مالي أكثر استدامة للاقتصاد العالمي.
مصادر المقال الرسمية:
- صندوق النقد الدولي (International Monetary Fund - IMF):
- World Economic Outlook (WEO) - إصدار أبريل 2025: يُقدم بيانات شاملة وتوقعات لنسب الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة.
- Fiscal Monitor - إصدار أبريل 2025: يُركز على التحديات والآفاق المالية العالمية، بما في ذلك مستويات الدين.
- الرابط (للوصول إلى قاعدة البيانات): www.imf.org/external/datamapper/profile/(يُمكن تغيير رمز الدولة في الرابط للحصول على بيانات محددة).
- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD):
- Global Debt Report 2025 - إصدار مارس 2025: يُقدم تحليلاً مفصلاً لاتجاهات الديون السيادية والشركات، وتحديات إعادة التمويل.
- OECD Economic Outlook - إصدار يونيو 2025 (أو الأحدث): يُقدم توقعات للدين العام للدول الأعضاء.
- الرابط: www.oecd.org/en/publications/global-debt-report-2025_8ee42b13-en.html
- اللجنة الأوروبية (European Commission):
- European Economic Forecast - إصدار مايو 2025 (أو الأحدث): تُقدم توقعات مفصلة للدين العام وعجز الميزانية لدول الاتحاد الأوروبي.
- الرابط: economy-finance.ec.europa.eu/economic-surveillance-eu-economies/(يُمكن اختيار الدولة لتحليل محدد).