
أرقام عن الهدر الغذائي في دول الخليج 2025
ما هي القصة الحقيقية وراء هذه الأرقام الصادمة، وما هي التبعات الخفية لرحلة الطعام من مزارع العالم إلى مكبات نفاياتنا؟
في كل ثانية، تُلقى أطنان من الطعام الصالح للاستهلاك في مكبات النفايات حول العالم. إنها ليست مجرد بقايا طعام؛ بل هي مياهٌ مُهدرة، وطاقةٌ ضائعة، وأرضٌ تُستنزف، وانبعاثاتٌ تُدفئ كوكبنا.
في عام 2025، يُصبح هذا التحدي أكثر إلحاحاً، خاصةً في منطقةٍ كدول الخليج العربي، حيث يتقاطع الازدهار الاقتصادي بثقافة الكرم والوفرة.
هذه المنطقة، التي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على استيراد غذائها، تواجه مفارقةً مؤلمة: أرقامٌ قياسيةٌ في الهدر الغذائي. فما هي القصة الحقيقية وراء هذه الأرقام الصادمة، وما هي التبعات الخفية لرحلة الطعام من مزارع العالم إلى مكبات نفاياتنا؟ لنغوص في تفاصيل تحدٍ بيئي واقتصادي وأخلاقي لا يُمكن تجاهله.
الهدر الغذائي: تعريف وتحدٍ عالمي
يُعرّف الهدر الغذائي (Food Waste) بأنه أي طعام صالح للاستهلاك البشري يُفقد أو يُلقى بعيداً في مراحل التجزئة أو الاستهلاك النهائي. يختلف عن فقدان الغذاء (Food Loss) الذي يحدث في مراحل الإنتاج، ما بعد الحصاد، التخزين، والمعالجة. يُمثل الحد من الهدر الغذائي جزءًا أساسياً من الهدف 12.3 من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة (SDG 12.3)، الذي يهدف إلى خفض نصيب الفرد من النفايات الغذائية العالمية إلى النصف بحلول عام 2030.
تُشير التقديرات العالمية لعام 2025 إلى أن:
- حوالي 1.3 مليار طن من الغذاء يُهدر سنوياً على مستوى العالم.
- يمثل هذا الهدر حوالي 30-40% من إجمالي الإنتاج الغذائي العالمي.
- تُقدر التكلفة الاقتصادية للهدر الغذائي العالمي بحوالي تريليون دولار أمريكي سنوياً.
أرقام الهدر الغذائي في دول الخليج 2025: تحدٍ في قلب الوفرة
تُشير الإحصائيات والتوقعات لعام 2025 إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي تُسجل بعضاً من أعلى معدلات الهدر الغذائي للفرد على مستوى العالم. يعود ذلك لعدة عوامل ثقافية واقتصادية واجتماعية فريدة للمنطقة:
النمط الاستهلاكي المرتفع: ارتفاع الدخل المتاح وقوة الشراء تُسهم في الإفراط في الشراء والتخزين.
ثقافة الضيافة والكرم: الولائم الكبيرة والكميات الوفيرة من الطعام في المناسبات الاجتماعية والأسرية.
البوفيهات المفتوحة والمطاعم الفاخرة: حيث غالباً ما تُقدم كميات كبيرة من الطعام تفوق الاستهلاك الفعلي، وينتهي الفائض في النفايات.
الوعي المحدود: نقص الوعي لدى المستهلكين بأهمية الحد من الهدر الغذائي.
التسوق غير المخطط له: الشراء الزائد عن الحاجة نتيجة عدم التخطيط للمشتريات.
تصور بياني مبسط لمتوسط نصيب الفرد من الهدر الغذائي السنوي (تقديرات 2025):
╔═══════════════════════════════════════════╗
║ متوسط نصيب الفرد من الهدر الغذائي السنوي (كجم/فرد/سنة) ║
╠═══════════════════════════════════════════╣
║ المتوسط العالمي: ███████████ (حوالي 74 كجم) ║
║ السعودية: ████████████████████████████ (حوالي 180 - 200 كجم) ║
║ الإمارات: ████████████████████████████ (حوالي 150 - 180 كجم) ║
║ الكويت: ████████████████████████████ (حوالي 140 - 160 كجم) ║
║ قطر: █████████████████████████ (حوالي 120 - 140 كجم) ║
╚═══════════════════════════════════════════╝
ملاحظات تفصيلية حول دول الخليج:
المملكة العربية السعودية: تُعدّ واحدة من أعلى دول العالم في معدلات الهدر الغذائي للفرد، حيث تُشير بعض الدراسات إلى أن نصيب الفرد قد يتجاوز 180 كيلوجراماً سنوياً. تُساهم في ذلك ثقافة الموائد الكبيرة، خاصة في المناسبات والأعياد.
الإمارات العربية المتحدة: على الرغم من حملاتها التوعوية المكثفة، لا تزال الإمارات تُسجل معدلات مرتفعة، تُقدر بـ 150-180 كيلوجراماً للفرد سنوياً. تُركز الحكومة على الحد من الهدر في قطاعي التجزئة والضيافة.
الكويت وقطر والبحرين وعُمان: تُظهر هذه الدول أيضاً معدلات هدر غذائي أعلى من المتوسط العالمي، وتتراوح تقديراتها بين 120-160 كيلوجراماً للفرد سنوياً، مدفوعة بعوامل مشابهة في الاستهلاك والضيافة.
يُشكل الهدر في مرحلة الاستهلاك (المنازل، المطاعم) النسبة الأكبر من إجمالي الهدر الغذائي في دول الخليج، على عكس العديد من الدول النامية التي يُشكل فيها الفقد في مرحلة ما بعد الحصاد النسبة الأكبر.
التكاليف الخفية: الأثر الاقتصادي والبيئي للهدر
لا يُعدّ الهدر الغذائي مجرد طعام يُلقى في القمامة؛ إنه يُخلف تكاليف باهظة تُؤثر على:
الاقتصاد الوطني: خسائر مالية مباشرة تُقدر بمليارات الدولارات سنوياً، تُضاف إلى تكلفة استيراد الغذاء لدول الخليج التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد. كما تُكلف معالجة النفايات الغذائية البلديات مبالغ طائلة.
البيئة: انبعاثات غازات الدفيئة: تتحلل النفايات الغذائية في مدافن النفايات وتُطلق غاز الميثان، وهو غاز دفيئة أقوى بـ 25 مرة من ثاني أكسيد الكربون.
هدر الموارد: يُفقد الماء والطاقة والأرض والموارد البشرية التي استُخدمت في إنتاج ونقل الغذاء الذي لم يُستهلك. تُشير التقديرات إلى أن حوالي 25% من المياه العذبة المستخدمة عالمياً تذهب لإنتاج طعام لا يُستهلك.
الأمن الغذائي: على المدى الطويل، يُؤثر الهدر على استدامة الإمدادات الغذائية ويزيد الضغط على الموارد الطبيعية الشحيحة.
اقرأ ايضا: إحصائيات غريبة عن النوم في العالم 2025
مبادرات دول الخليج لمكافحة الهدر الغذائي 2025: نحو مستقبل أكثر وعياً
تُدرك دول الخليج حجم التحدي، وقد أطلقت في السنوات الأخيرة (وتستمر في عام 2025) العديد من المبادرات لمكافحة الهدر الغذائي:
1- الحملات التوعوية الوطنية: برامج مكثفة لتغيير سلوك المستهلكين، ورفع الوعي بأهمية التخطيط للشراء، والتعامل الصحيح مع بقايا الطعام.
2- السياسات والتشريعات: دراسة وتطبيق قوانين لتشجيع التبرع بالطعام الصالح للاستهلاك، ومنع إلقاء الطعام بكميات كبيرة من قبل المطاعم والفنادق.
3- دعم البنوك الغذائية: تعزيز دور الجمعيات الخيرية والبنوك الغذائية في جمع فائض الطعام من المطاعم والفنادق وتوزيعه على المحتاجين.
4- الاستثمار في التكنولوجيا: دعم تطبيقات الهاتف الذكي التي تربط بين المطاعم ومحلات البقالة والمستهلكين لتقليل الهدر، أو منصات لإعادة تدوير النفايات العضوية.
5- الشراكات بين القطاعين العام والخاص: التعاون مع سلاسل التجزئة الكبرى والفنادق لتطبيق ممارسات أفضل في إدارة المخزون وتقليل الهدر.
6- حلول التدوير والمعالجة: الاستثمار في محطات معالجة النفايات العضوية لإنتاج السماد أو الطاقة الحيوية.
مسؤولية مشتركة لمستقبل مستدام
إن الأرقام الصادمة للهدر الغذائي في دول الخليج العربي لعام 2025 تُشكل جرس إنذار لا يمكن تجاهله. في منطقة تتميز بثراء مواردها، يُمثل هذا الهدر تناقضاً صارخاً مع التطلعات التنموية ومبادرات الاستدامة. إن مكافحة الهدر الغذائي ليست مجرد مهمة حكومية أو مسؤولية فردية، بل هي مسؤولية مشتركة تتطلب تضافر الجهود بين المستهلكين، والمطاعم، وتجار التجزئة، والمشرعين، ومؤسسات المجتمع المدني. من خلال تغيير العادات، تبني التقنيات المبتكرة، وتطبيق سياسات فعالة، يُمكن لدول الخليج أن تُصبح نموذجاً عالمياً رائداً في إدارة الموارد بكفاءة، وتحقيق الأمن الغذائي، وصون البيئة، لضمان مستقبل يُزهر فيه الرخاء والاستدامة للجميع.