إحصائيات انتشار سوء التغذية بين الشعوب العربية

إحصائيات انتشار سوء التغذية بين الشعوب العربية

تُعدُّ مشكلة سوء التغذية من أبرز القضايا الصحية والاجتماعية التي تواجه العديد من الدول العربية، حيث ترتبط مباشرةً بالفقر، والنزاعات، وعدم الاستقرار الاقتصادي، وضعف الأنظمة الصحية. وفقًا للإحصائيات الحديثة لعام 2023 التي أصدرتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، فإن نسب انتشار سوء التغذية بين الشعوب العربية تُظهر تباينًا كبيرًا بين الدول، مما يعكس تفاوت مستويات التنمية والظروف السياسية والاقتصادية في المنطقة.

الدول الأكثر تضررًا

تتصدر الصومال القائمة بنسبة عالية جدًا بلغت 51.3% من السكان الذين يعانون من سوء التغذية، وهي نسبة تعكس الوضع المأساوي الذي تعيشه البلاد نتيجة عقود من الحروب والنزاعات المسلحة والجفاف المتكرر. يعاني الصومال من غياب شبه كامل للبنية التحتية الصحية والغذائية، مما يجعل تأمين الغذاء تحديًا يوميًا للملايين.

تأتي اليمن في المرتبة الثانية بنسبة 39.5% من السكان يعانون من سوء التغذية. يعود ذلك إلى الحرب المستمرة منذ عام 2015، والتي أدت إلى تدمير الاقتصاد والبنية التحتية، بالإضافة إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية. تعتمد اليمن بشكل كبير على المساعدات الدولية، لكن هذه المساعدات تواجه تحديات لوجستية وأمنية كبيرة.

في المرتبة الثالثة، تأتي سوريا بنسبة 34%، حيث أثرت الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عقد على الأمن الغذائي للسكان. أدى النزوح الداخلي والخارجي إلى تدهور الظروف المعيشية للملايين، مما جعلهم عرضة لسوء التغذية.

الدول ذات النسب المتوسطة

تتراوح نسب سوء التغذية في الدول ذات النسب المتوسطة بين 16% و18%. على سبيل المثال:

  • الأردن سجل نسبة 17.9%، وهي نسبة مرتفعة نسبيًا نظرًا لاستقرار البلاد النسبي. يُعزى ذلك إلى استقبال الأردن لملايين اللاجئين، خاصة من سوريا، مما وضع ضغطًا كبيرًا على الموارد الغذائية والاقتصادية.
  • جزر القمر بنسبة 16.9%، حيث يعاني هذا الأرخبيل من ضعف التنمية الاقتصادية واعتماده على الزراعة التقليدية التي لا تكفي لتأمين الغذاء للسكان.
  • العراق بنسبة 16.1%، إذ على الرغم من التحسن النسبي في الوضع الأمني مقارنةً بالعقد الماضي، إلا أن البلاد لا تزال تواجه تحديات في تأمين الغذاء بسبب الفساد وضعف البنية التحتية الزراعية.

الدول الأقل تضررًا

على الطرف الآخر من القائمة، تظهر دول الخليج العربي بنسب منخفضة جدًا لسوء التغذية، ما يعكس مستويات المعيشة المرتفعة والبنية التحتية الصحية الجيدة. على سبيل المثال:

  • الكويت والجزائر سجلتا النسبة الأدنى عند 2.5%. يرجع ذلك إلى استقرار الاقتصاد وتوفر برامج دعم غذائية وصحية فعالة.
  • الإمارات العربية المتحدة بنسبة 2.7% والسعودية بنسبة 3%، حيث تتمتع هذه الدول بقدرات مالية كبيرة تمكنها من استيراد الغذاء وتقديم الدعم للفئات المحتاجة.
  • عمان بنسبة 5.7%، وهي نسبة مقبولة مقارنةً بالدول الأخرى، لكنها تعكس وجود بعض التحديات في المناطق الريفية.

تفسير الأرقام

تشير الأرقام الواردة إلى أن سوء التغذية ليس مجرد مشكلة غذائية، بل هو نتاج لتداخل عوامل متعددة تشمل الحروب، والنزاعات، والتغيرات المناخية، وضعف السياسات العامة. على سبيل المثال:

  1. النزاعات والحروب: تُعد الحروب السبب الرئيسي لتفاقم سوء التغذية في دول مثل الصومال واليمن وسوريا. تؤدي النزاعات إلى نزوح السكان، وانهيار الزراعة، وتعطيل التجارة، مما يترك الملايين دون مصادر غذاء.
  2. التغيرات المناخية: تعاني دول مثل السودان وجزر القمر من تأثيرات التغير المناخي، مثل الجفاف والفيضانات، مما يؤثر على إنتاج الغذاء ويزيد من معدلات سوء التغذية.
  3. اللاجئون والنازحون: تلعب قضية اللاجئين دورًا كبيرًا في زيادة الضغط على الدول المستقبلة مثل الأردن ولبنان، حيث يعاني اللاجئون من أوضاع معيشية صعبة تزيد من معدلات سوء التغذية.
  4. الفقر والتفاوت الاجتماعي: في دول مثل مصر والمغرب، رغم الاستقرار النسبي، يعاني السكان في المناطق الريفية والمهمشة من ضعف الوصول إلى الغذاء والتغذية السليمة، مما يؤدي إلى نسب أعلى من سوء التغذية مقارنةً بالمناطق الحضرية.

جهود مكافحة سوء التغذية

تعمل العديد من الدول والمنظمات الدولية على مواجهة هذه المشكلة من خلال:

  1. المساعدات الإنسانية: تقدم الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية مساعدات غذائية للدول الأكثر تضررًا مثل اليمن والصومال.
  2. برامج تعزيز الأمن الغذائي: تهدف هذه البرامج إلى تحسين الإنتاج الزراعي ودعم المزارعين في الدول الفقيرة.
  3. التوعية الغذائية: تقوم بعض الدول مثل مصر والمغرب بحملات توعية لتحسين الأنماط الغذائية لدى السكان.
  4. السياسات الحكومية: في دول الخليج، تُعد السياسات الحكومية الداعمة للإعانات الغذائية وبرامج الضمان الاجتماعي عوامل رئيسية في خفض معدلات سوء التغذية.

الخلاصة

تُظهر الإحصائيات أن سوء التغذية في الدول العربية يعكس التفاوت الكبير في الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بين الدول. وبينما تحقق بعض الدول نجاحات في مكافحة هذه المشكلة، لا تزال دول أخرى تعاني من معدلات مرتفعة تحتاج إلى جهود مكثفة للتصدي لها. يمثل هذا التحدي فرصة للتعاون العربي والدولي لتخفيف معاناة الملايين وتحقيق الأمن الغذائي في المنطقة.