
احصائيات عن المواصلات العامة في دول مجلس التعاون الخليجي
المستقبل في دول مجلس التعاون يتجه نحو المدينة الذكية المتصلة، حيث ستصبح شبكات المواصلات العامة العمود الفقري الذي يربط بين الأحياء السكنية ومراكز الأعمال
تُعد دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) تاريخياً من أكثر المناطق اعتماداً على السيارات الخاصة، نظراً لثقافة النقل السائدة وتوفر الوقود الرخيص. لكن في العقد الأخير، شهدت المدن الرئيسية في المنطقة تحولاً استراتيجياً هائلاً، حيث أصبحت المواصلات العامة عالية الجودة، وخاصة شبكات المترو، عنصراً محورياً في رؤى التنمية الحضرية والاقتصادية (رؤية 2030 في السعودية، خطة دبي الحضرية 2040).
لم يعد الهدف مقتصراً على توفير بديل للنقل، بل أصبح يركز على بناء نظام نقل متكامل وذكي يهدف إلى تحسين جودة الحياة، وتقليل الازدحام المروري، والحد من البصمة الكربونية. هذا التحول يتطلب استثمارات بمليارات الدولارات في شبكات السكك الحديدية والحافلات عالية التقنية.
يقدم هذا المقال استعراضاً لأحدث الإحصائيات والتوجهات الرئيسية في قطاع المواصلات العامة بدول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على المدن التي تقود هذا التحول الكفاءات، والمؤشرات التي تُبين حجم هذا الاستثمار.
- ربما يهمك: الدول الرائدة في ثورة البطاريات الصلبة ⚡️🔋
صدارة المترو: دبي والدوحة كنموذج ريادي
تُعد شبكات المترو في الإمارات وقطر من أبرز قصص النجاح في المنطقة، وقد غيرت بشكل جذري عادات التنقل في المدن.
دبي (الإمارات العربية المتحدة):
يُعد مترو دبي العمود الفقري للنقل العام في المدينة. وقد سجل المترو أرقاماً قياسية؛ ففي عام 2023 وحده، تجاوز إجمالي عدد مستخدمي وسائل النقل العام (بما في ذلك المترو والترام والحافلات ووسائل النقل البحري) 700 مليون راكب. ويستحوذ المترو على الحصة الأكبر، حيث وصلت شبكته إلى نحو 90 كيلومتراً، ويُقدم نموذجاً للنقل الذكي.
الدوحة (قطر):
حقق مترو الدوحة نسب ركوب عالية جداً، خاصة خلال فترة كأس العالم 2022، حيث أثبت فعاليته وقدرته على استيعاب حركة جماهيرية ضخمة. يبلغ طول شبكة المترو حالياً أكثر من 75 كيلومتراً، ويُعتبر أحد أكثر أنظمة المترو أتمتة في العالم.
المشاريع العملاقة: ثورة النقل في السعودية
تقود المملكة العربية السعودية استثماراً غير مسبوق في البنية التحتية للنقل العام، يهدف إلى إحداث قفزة نوعية في حصة النقل العام.
- مترو الرياض: يُعد مترو الرياض أحد أضخم مشاريع البنية التحتية للنقل في العالم حالياً. من المتوقع أن يصل طول الشبكة عند اكتمالها إلى نحو 176 كيلومتراً بستة خطوط، ومن المنتظر أن يلعب دوراً حاسماً في تحقيق مستهدفات رؤية 2030 لزيادة حصة النقل العام.
- المشاريع الكبرى الأخرى: لا تقتصر المشاريع على الرياض؛ فمدن أخرى مثل جدة والمدينة المنورة ومكة المكرمة (عبر تطوير قطار الحرمين السريع) تشهد توسعات كبيرة في شبكات الحافلات وخطوط السكك الحديدية لتحسين التنقل داخل المدن وفيما بينها.
حصة النقل العام وتوقعات النمو
رغم هذه الاستثمارات، لا تزال حصة النقل العام (Modal Share) في معظم دول مجلس التعاون الخليجي منخفضة مقارنة بالمعايير العالمية، لكن الأهداف طموحة جداً.
الحصة الحالية:
تتراوح حصة النقل العام من إجمالي رحلات التنقل في المدن الخليجية الرئيسية حالياً بين 6% إلى 15%. هذه النسبة أقل بكثير من مدن عالمية مثل سنغافورة (أكثر من 65%) أو نيويورك (أكثر من 50%).
الأهداف المستقبلية:
وضعت مدن مثل دبي والرياض أهدافاً طموحة لرفع حصة النقل العام إلى 20% إلى 25% بحلول عامي 2030 و 2040 على التوالي، مما يتطلب استمرار الاستثمار في شبكات المترو والحافلات وخدمات "الميل الأخير" (Last-Mile solutions).
جدول يوضح إحصائيات مختارة للنقل العام في دول مجلس التعاون
المدينة / المشروع | الدولة | نوع النظام | طول الشبكة (تقريبي) | الهدف الاستراتيجي |
دبي | الإمارات | مترو آلي / ترام | 90 كم (مترو) | الوصول بحصة النقل العام إلى 25% بحلول 2040 |
الرياض | السعودية | مترو / حافلات | 176 كم (مترو تحت الإنشاء) | تقليل الازدحام وزيادة الكفاءة التشغيلية |
الدوحة | قطر | مترو / ترام | 75 كم (مترو) | بناء نظام متكامل لربط الأحياء والملاعب |
الوضع العام للـ GCC | دول مجلس التعاون | جميع الأنظمة | غير محدد | تحسين جودة الحياة والحد من الانبعاثات |
تغير الثقافة نحو التنقل الذكي
تُظهر البيانات المُجمعة أن الحكومات الخليجية تدرك أن الاستثمار في المواصلات العامة هو استثمار في كفاءة رأس المال البشري والقدرة التنافسية الاقتصادية. لقد تم تخصيص مبالغ غير مسبوقة لبناء شبكات عالية الجودة، تتجاوز مجرد تلبية الطلب الحالي إلى تشجيع ثقافة جديدة قائمة على التنقل المستدام.
ويُلاحظ أن التحدي الحقيقي الذي يواجه هذه الدول لا يكمن في التمويل أو البنية التحتية، بل في تغيير سلوك المستخدم وتشجيعه على ترك السيارة الخاصة في بيئة صُممت تاريخياً للاعتماد عليها. نجاح دبي والدوحة في فترة قصيرة يُعطي أملاً كبيراً في إمكانية تحقيق هذا التحول.
في الختام، يُمكن القول إن المستقبل في دول مجلس التعاون يتجه نحو المدينة الذكية المتصلة، حيث ستصبح شبكات المواصلات العامة العمود الفقري الذي يربط بين الأحياء السكنية ومراكز الأعمال. وهذا يتطلب مستقبلاً تكاملاً أكبر بين القطارات، والحافلات، والحلول الرقمية لـ "الميل الأخير"، لضمان سهولة وفعالية الرحلة من الباب إلى الباب.